بالإمكان القول بأن هذا المقال نقد لعبارة “أسرار التصميم” .. ومقال فلسفي أكثر منه شيئًا آخر.
عندما بدأت مدونة حمود آرت كانت لدي وجهة نظر محددة تجاهها.. أنها ستكون المكان الذي أتحدث فيه عن العالم الفني الذي يستهويني.. لدي ميول وفنون متعددة أحب الإطلاع عليها.. ربما بسبب دراستي للاتصال البصري أكثر ما اهتم به أكثر هو مجال التصميم الذي بدأته كهواية أولاً.. لكنه يبقى جزءً من اهتماماتي الفنية والجانب المهني في حياتي.
أعلم بأنني سأكون مخيبًا في هذا المقال لو قلت بأنني لن أتحدث عن برامج التصميم ولن أكذب عليك مثلما صار شائعًا مؤخرًا كذبة من نوع “عشرة نصائح لتصبح مصممًا ناجحًا“.. لن أكتب لك مقالا يخبرك أشياء تعرفها من قبل من نوع أفضل ملحقات الفوتوشوب.. وأستغرب أن يتم تلخيص أسرار التصميم في بعض الشكليات.. ربما أكثر ما أستغربه كذلك هو تلخيص النصائح التي تتحدث عن أسرار التصميم في بعض الأوامر افعل كذا ولا تفعل كذا استخدم كذا ولا تستخدم كذا.
هل تعلمون.. لم أجد من قبل من يتحدث عن شخصية المصمم.. دومًا عندما يتحدثون عن مصمم معين يتحدثون عن الأدوات التي يستعملها.. عن المواقع التي يتابعها.. عن المصممين الذين يتابع أعمالهم.. لم أجد من قبل من يتحدث عن فكر المصمم نفسه.. عن رؤاه الخاصة في أعماله.. فالتصميم قبل كل شيء فن.
أستغرب أن يتم جعل التصميم كأحد الأعمال المهنية الحرفية البحتة.. مجرد تقنيات وأدوات ومبادئ وتوجيهات وملحقات وانتهى الأمر.. وإن كانت تشكل جزءًا منه.. لم أرى في حياتي أديبًا يكتب رواية يتحدث فقط عن التقنيات التي استعملها فيها بل رأيت أدباء كبار يتحدثون عن معنى كتاباتهم وعن رؤيتهم الخاصة من خلال أعمالهم.
لم أر من قبل فنانًا تشكيليًا يجعل هاجسه نوعية الزيت التي يستخدمها أو القماش الذي يرسم عليه بقدر ما يبحث عن موضوع خاص به ورسالة يوجهها إلى الآخرين.. أو ان يترجم شخصيته وأفكار على لوحاته الخاصة.
قد يبدو هذا الكلام جنونًا ويدخل في إطار الحديث عن الجانب الشخصي من أعمال المصمم.. وبأنه “ما يوكلش عيش” على رأي احد أقربائي حيث قال لي أن ما أفكر فيه لا يأتي بخبز آكله وأنه يجب علي أن أصمم ما يريده الناس.. مثل أفيشات المناسبات، كروت ومواقع الشركات، أغلفة الكتب التي يشتريها الناس بكثرة.. المهم أن أخضع مهارتي وموهبتي لأحصل على أكبر قدر من المردود في هذا المجال ولان أحصل على أفضل الزبائن الذين أرضيهم بنوعية من الأعمال المتوسطة الجودة.. ويبقى الجزء الخاص بي وأفكاري لي وحدي شان يخصني ولا يجب أن أقحمه.
لا أقتنع بهذا النوع من الكلام وإن كان جزء منه صحيح في واقعنا وعالمنا الذي لا يهمه كيف تفكر وما هي رؤيتك لما تريد تقديمه له.
أرى أن عددًا كبيرًا من المصممين ألغوا شخصياتهم ونفوها وصاروا مجرد منفذين لما يريده الزبون منهم.. مجرد آلات تطبق الطلبات ولا تحاول تقديم بصمتها في التصميم.. تتعلم التقنيات والأدوات للتحول بدورها إلى أدوات..
من من المصممين يسعى إلى موازنة هذه الأمور مع بعضها؟.. أن لا يجعل من الجانب التقني الهام جدًا في مجال التصميم هو جل اهتمامه.. وأن لا يترك روحه الفنية وشخصية ورؤيته وبصمته الفنية يدون أن تنطبع على جميع أعماله.. من المصممين يسعى لأن لا يكون مع التيار.. إن ركض الناس يمينًا ركض معها.. وإن شمالاً فعل المثل.
ولهذا فأنا أجيب من يستفسر حول المدونة هل تعطي دروسًا في التصميم؟؟.. هل توفر كذا وكذا.. فأقول “نعم.. ربما” ولكنه سيكون فقط من أجل الموازنة بين الأمور.. أحاول في هذه المدونة الوصول إلى نقطة توازن لا تجعلني أعطي للأدوات ولحمى الدروس والملخصات ونصائح “كيف تصبح مصممًا متميزًا” أكثر من حقها.. وبين الجانب الخاص بي ورؤيتي الفنية واتجاهاتي وما أبحث عنه.
قد أكون مخطئًا أو مبالغًا أو حانقًا ولكنها في نظري حقيقة واقعة.